ماذا بعد انهيار حزب البعث السوري؟
تسارعت الأحداث في نهاية شهر نونبر وبداية شهر دجنبر مفضية إلى انهيار النظام الدكتاتوري السوري والسقوط المدوي لآخر رؤسائه بشار الأسد ولجوئه إلى روسيا يوم الثامن من دجنبر 2024 في سيناريو لم يخطر على بال أي احد من المتبعين للوضع في الشرق الأوسط وبلاد الشام باستثناء العرافة والمنجمين، الذين تنبؤوا بعدة تنبؤات تسير في هذا الاتجاه،
تم الإعلان على انهار النظام السوري بعد هجوم مباغث للمعارضة بقيادة قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع الملقب بالجولاني، الذي أعلن من الجامع الأموي بقلب دمشق يوم الأحد 8دجنبر 2024 في خطاب ألقاه بالمناسبة على انهيار نظام الأسد وانتصار المعارضة الذي اعتبره نصرا لكل السوريين على الطائفية التي نشرها النظام المنهار، التي كانت أثنى عشر يوما السابقة للثامن من دجنبر كافية لحسم المواجهة بفضل المقاومة البطولية لأربعة عشر عاما مع الآلة الحربية الغاشمة لنظام الأسد.
انهيار نظام بشار الأسد هو انشطار بلوري لآخر معاقل حزب البعث في نسخته السورية الذي كان قد أسسه ميشيل عفلق وصلاح البيطار وزكي الأرسوزي وهو حزب يقوم على (النهضة او الصحوة) وهي توليفة اديلوجية ترتكز على ثالوث 1- القومية العربية 2- والوحدة العربية 3- الاشتراكية العربية، تدعو إلى توحيد الوطن العربي في دولة واحدة شعارها “وحدة، حرية و اشتراكية ” وتعبئة كل الطاقات لمواجهة و معاداة الامبريالية الغربية.
منذ الانقلاب الذي قاده حافظ الأسد سنة 1966 الذي أطاح بالقيادة الوطنية السياسية للحزب (ميشيل عفلق ورزاز) معلنا في نفس الوقت انقسام حزب البعث السوري والعراقي، استفرد حافظ الأسد بالسلطة وقيادة الحزب، وزج بدولة سوريا في مسار دولة سلطوية دكتاتورية تتجمع فيها كل السلطات في يد الرئيس.
تبني دولة سوريا هذا المنحنى إلى جانب دولة العراق جعل المنتظم الدولي يضع عدة علامات استفهام على مستقبل التعامل معها لأنها صنفت من قبل دول حلف شمال الأطلسي بالدولة الماردة خاصة بعد تكثلها مع ليبيا والجزائر واليمن فيما كان يعرف بجبهة الصمود والتصدي التي تم الإعلان عنها بعد حرب أكتوبر 1973، وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية، تتخد موقفا عدائيا لكل الأنظمة التي تتبنى نظرية حزب البعث وانتهى بها الأمر في الأخير إلى التركيز على العراق وسوريا، و هو ما تأتى لها بعد حرب الخليج الأولى والثانية التي تمكنت من خلالها تفكيك نظام البعث العراقي بالسقوط المدوي للرئيس صدام حسين وتحطيم ثمثاله بالساحة التي كان مقاما عليها بالعاصمة بغداد، وهو نفس المشهد الذي تكرر باسقاط ثمثال الرئيس السابق حافظ الأسد بدمشق في الثامن من دجنبر.
لذلك فاسقاط الرئيس السوري ليس هو مجرد تغيير رئيس برئيس آخر سيتم انتخابه، وفق أجندة تحددها الطوائف والفصائل والقوى السياسية بسوريا، وإنما هو انشطار بلوري لنظام سياسي للحكم كان يقوم على أسس اديلوجية واقتصادية وسياسية مركبة وبردغمات نظرية في غاية التعقيد، زادها تعقيدا المدة الطويلة التي دام فيها هذا النظام من 1966 إلى 8دجنبر 2024 والتي تناهز 58 سنة من الحكم بالحديد والنار، وهو ما يتطلب تدبيرا دقيقا للمرحلة الانتقالية تقوم على توافقات كبرى بين كل مكونات المجتمع السوري السياسية، المدنية والطائفية، وذلك بسلك الخطوات التالية:
1- تعيين حكومة مؤقتة التدبير المرحلة بكل أبعادها، السياسية، الاجتماعية، الإدارية، الاقتصادية، والعسكرية؛
2- انتخاب مجلس او جمعية تأسيسية لبلورة دستور جديد لجمهورية جديدة، ينتهي بتنظيم استفتاء دستوري والمصداقة على الدستور الجديد الذي يجب أن يحدد هندسة الدولة السورية الجديدة التي يجب أن تأخد بعين الاعتبار كل المكونات والأطياف الاجتماعية والسياسية و الروحية، وانتخاب مجلس دستوري للسهر على نزاهة ومشروعية العمليات الانتخابية بمختلف مستوياتها؛
3- إجراء الانتخابات الترابية المحلية وبعدها البرلمانية؛
4- انتخاب رئيس الدولة؛
5- كل هذا يتطلب انخراطا كبيرا و مواكبة من طرف الفاعلين المحليين الوطنيين الدوليين، كما يتطلب انخراطا قويا من طرف هئية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لدعم تطبيق اتفاقية 1974 المتعلقة بإقرار منطقة عازلة بين سوريا وإسرائيل، والضغط على إسرائيل لكي تتراجع عن الغاء الاتفاقية المشار إليها، وفرض احترام سيادة سوريا على كل ترابه من طرف دول الجوار؛
6- إعادة تجميع الجيش السوري وتنظيمه على أسس جديدة تأخد بعين الاعتبار مبدأ الولاء للدولة والمؤسسات؛
7- بلورة مخططات استراتيجية لإعادة إعمار المدن والقرى المتضررة من القصف المكثف والتدمير، واعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس واضحة؛
8- اتخاد كل التدابير والمبادرات لتجميع السوريين بالشتات الراغبين في العودة لسوريا؛
9- إحداث هيئة وطنية للمصالحة الوطنية الشاملة.
د. حميد المرزوقي