مأساة تهز التعليم المغربي: مقتل أستاذة يعيد طرح سؤال الأمن داخل المدارس

0
pub top

 

فاس: محمد أمقران حمداوي

في حادثة صادمة فجرت موجة من الغضب والاستنكار، لفظت أستاذة أنفاسها الأخيرة داخل أسوار مؤسسة تعليمية، إثر اعتداء مروع نفذه تلميذ ضدها، ليفتح الجرح مجددا على واقع المدرسة المغربية ومآلاتها المقلقة.

لم يكن ما حدث جريمة عادية تضاف إلى قائمة حوادث العنف المدرسي، بل شكّل ناقوس خطر مدوٍّ يضع المنظومة التربوية برمتها في قفص الاتهام. أستاذة كانت تمارس مهنتها في فضاء يُفترض أن يكون آمنا، تحوّلت إلى ضحية في ساحة باتت تعج بالتوتر والاحتقان. أما الفاعل، فتلميذ لم يجد حدودا تردعه ولا منظومة تؤطره.

المدرسة المغربية التي كانت في زمن غير بعيد مهد القيم ومشتلا للعلم والمعرفة، بدأت تتخلى عن أدوارها التربوية بفعل تراكمات الإهمال، وتراجع مكانة المدرس، وغياب الحزم المؤسساتي في مواجهة السلوكيات المنفلتة. صار العنف بشتى أنواعه –لفظيا وجسديا– أمرا اعتياديا، فيما تسجل التقارير الرسمية ارتفاعا مقلقا في حالات الاعتداء على الأطر التربوية.

مراسيم تشييع جثمان الأستاذة الراحلة لم تكن مجرد وداع مؤلم لزميلة مخلصة، بل تحوّلت إلى لحظة جماعية حزينة تحمل دلالات عميقة. زملاء في حالة صدمة، تلاميذ في ذهول، ومجتمع يتساءل:
من المسؤول عن هذا الانهيار؟ أهي الأسرة؟ أم المنظومة التعليمية؟ أم السياسات العمومية التي تتعامل مع التعليم كملف ثانوي لا يستحق الإنقاذ؟

ما وقع يفرض علينا، كمجتمع وكمؤسسات، أن نعيد النظر بشكل جذري في كيفية تدبير شؤون التعليم. فالتصريحات الرسمية والتعازي لا تكفي، والإصلاحات الجزئية التي تكتفي بتغيير المناهج أو ترقيع البنية التحتية لن تنجح في إعادة الثقة إلى المدرسة ما لم تُرفق بإرادة سياسية صارمة، واستراتيجيات واضحة لإعادة الاعتبار للمعلّم، وتعزيز الأمن النفسي والفيزيائي داخل المؤسسات.

وسط هذا الواقع المأزوم، تبرز الحاجة إلى مراجعة بعض التوجهات التربوية… المطلوب اليوم ليس فقط محاسبة الجناة، بل أيضا إقرار ميثاق واضح للانضباط داخل المدارس، يُفعّل دون تردد، ويضمن كرامة الأساتذة وسلامة التلاميذ على حد سواء.

ما جرى ليس حادثة معزولة، بل مرآة تعكس واقعا مهددا يفرض تحركا عاجلا. فإما أن تُستعاد هيبة المدرسة ودورها التربوي، أو يستمر النزيف نحو المجهول. لقد بات إصلاح التعليم أولوية وطنية لا تحتمل التأجيل، فالأمن المدرسي ليس ترفا بل ضرورة، وكرامة المدرّس ليست شعارا بل أساسا لأي مشروع تنموي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.