”مدن للمهن والكفاءات” المشروع التنموي الجديد للجهات
رسمت المملكة المغربية بفضل التوجيهات الرشيدة لقائدها صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله خارطة طريق نحو تنمية وطنية مستقبلية شاملة ومتكاملة ، واختط لها مساراً نهضوياً طموحاً يحظى بإشراف مباشر ومتابعة دائمة ومستمرة .
هذا المشروع التنموي أكد عليه الملك، في خطابه الموجه إلى الأمة بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لثورة الملك والشعب في 20 غشت 2018،الذي دعى فيه الى ضرورة إعادة النظر بكيفية شاملة في تخصصات التكوين المهني لجعلها تستجيب لحاجيات المقاولات والقطاع العام. كما أشار الملك، في خطابه الذي ألقاه أمام أعضاء مجلسي البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة، إلى أن “التكوين المهني يعد رافعة قوية للتشغيل إذا ما حظي بالعناية التي يستحق”
هذا وبعد سلسلة من الجلسات استكمالا للاجتماعات السابقة التي ترأسها صاحب الجلالة ترأس الملك محمد السادس يوم الخميس 04 أبريل 2019 ، بالقصر الملكي بالرباط، بحضور رئيس الحكومة، ومستشاري جلالة الملك، وأعضاء الحكومة، والمديرة العامة لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل جلسة تقديم خارطة الطريق المتعلقة بتطوير التكوين المهني وإحداث “مدن المهن والكفاءات” في مختلف جهات المملكة .
وبما ان التكوين المهني يعتبر قطاعا واعدا، ستتبنى الحكومة وضع رؤية تنموية متكافئة عبر جهات المملكة لتحسين مردوديتها وذلك بتفعيل مختلف الجهات بشكل عادل ومتساوي وهذا التوزيع يمثّل المحور الأول الذي ياسس لقاعدة صلبة تهدف الى تمكين الشباب من التعلم واكتساب المهارات لتحقيق لازدهار الاقتصادي.
وينبثق هذا المحور من إيمان جلالة الملك بأهمية بناء مجتمع حيوي، يعيش أفراده وفق بيئة إيجابية ، تتوافر فيها كل مقوّمات الجودة لتسهيل حياة المواطنين
خارطة الطريق الجديدة هذه تدعو الى تأهيل عرض التكوين وإعادة هيكلة الشعب بناء على أهميتها في سوق الشغل، وكذا تحديث المناهج البيداغوجية وتحسين قابلية تشغيل الشباب عبر سلسلة من برامج التكوين وإعادة التأهيل قصيرة المدى وهي تروم إحداث جيل جديد من مراكز التكوين المهني في خطوة غير مسبوقة عبر تاسيس ”مدن للمهن والكفاءات ” وهذه الاخيرة مدعوة لأن تصبح بنيات متعددة القطاعات والوظائف تعتمد مناهج بيداغوجية تركز على التمكن من اللغات والمقاربة بين الكفاءات وتعطي الأولوية لانخراط المهنيين، لا سيما من خلال تعزيز التكوين في الوسط المهني عبر التناوب والتعلم
وتناول الكلمة وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني والبحث العلمي، سعيد أمزازي، واوضح امام انظار جلالته أن هذه المدن، ستضم قطاعات وتكوينات مختلفة تستجيب لخصوصيات وإمكانات الجهة المتواجدة بها، والتي تهم المهن المرتبطة بمجالات الأنشطة الداعمة للمنظومة البيئية الاقتصادية التي سيتم إنشاؤها، وكذا مهن المستقبل في المجال الرقمي وترحيل الخدمات، والذي يعتبر مجالا واعدا وقطاعا رئيسيا لخلق فرص الشغل.
وموازاة مع تعزيز التكوينات في المهن الأساسية والكلاسيكية، اشار امزازي انه سيتم تجهيز هذه المدن ببنيات خاصة مثل وحدات الإنتاج البيداغوجية ومراكز المحاكاة، والفضاءات التكنولوجية، من أجل توفير، الفضاء المهني التقني والتكنولوجي الضروري لاكتساب المهارات والكفايات اللازمة للممارسة الفعلية للمهن.
كما أن هذه البنيات الجديدة مدعوة للاشتغال وفق مبدأ التعاضد وترشيد الموارد المشتركة المتوفرة، لاسيما المسطحات الرقمية، ومراكز اللغات، ومراكز التأهيل للمهن، والمكتبات الوسائطية، والداخليات والملاعب الرياضية.
اضاف الوزير كذلك إلى أنه سيتم إحداث التكوينات المتعلقة بالمجال الرقمي وترحيل الخدمات في جميع جهات المملكة، المحطة الأولى ستكون جهة الرباط-سلا-القنيطرة والدار البيضاء-سطات حيث سيتم توفير التكوين في مجال الذكاء الاصطناعي .
وفيما يتعلق باختيار القطاعات الواعدة مثل مجالات الفلاحة والصناعة الفلاحية والصناعة التي ستظل قطاعات رئيسية ببلدنا، ذات امتداد واسع، سيتم توفير شعب التكوين فيها بمعظم جهات المملكة، لاسيما في المناطق الفلاحية والصناعية، بالإضافة إلى الشعب المتعلقة بصناعة وبناء السفن بكل من أكادير والدار البيضاء.
وأن الجهات الثمانية ذات الطابع السياحي، ستحتضن التكوينات الخاصة بقطاع الفندقة والسياحة الذي يعتبر هو الآخر قطاعا أساسيا ومحوريا في المغرب.
وفي محور حيوي اخر ويتعلق الامر بمجال الصحة ومراعاة لحاجة المتدربين إلى الاستفادة عن قرب من “حوض التداريب السريرية”، تم إحداث التكوينات المتعلقة بهذا المجال حيث قال وزير الصحة السيد أنس الدكالي، إن إنشاء مدن المهن والكفاءات متعددة الأقطاب والتخصصات سيساهم في تعزيز الموارد البشرية بالقطاع الصحي والتي ستشتمل على معاهد لتكوين الكفاءات في المجال الصحي بشعب جديدة، خاصة في ما يتعلق بالاستشفاء من المستوى الثالث الخاص بالمستشفيات الجامعية
وأبرز في هذا الصدد أنه تم احداث التكوينات المتعلقة بهذا المجال، بالجهات الثمانية التي إما تتوفر على مركز استشفائي جامعي قائم أو في طور الانجاز، لاسيما بالعيون وأكادير وطنجة، في أفق أن تغطي الجهات الـ12 للمملكة، مما سيمكن من تعزيز الموارد البشرية بالقطاع الصحي.
وبخصوص قطاع الصناعة التقليدية، وتماشيا مع التوجيهات الملكية السامية، فسيتم العمل على إحداث الشعب المتعلقة بهذا القطاع بكل من جهة فاس-مكناس وجهة مراكش-آسفي وجهة درعة- تافيلالت.
واستجابة للطلب القوي في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط ومراكش في مجال الخدمات الشخصية، سيتم إحداث شعب مرتبطة بهذا المجال في الجهات المعنية، لتكوين مربيات ومربي التعليم الأولي ومساعدي كبار السن وكذا المساعدين المنزليين.
وأضاف أن المقاربات البيداغوجية التي تقترحها خارطة الطريق، تعطي أهمية كبرى للتحكم في اللغات الأجنبية، وتنويع الكفاءات، وإعطاء الأولوية لإشراك المهنيين، وذلك بتشجيع التكوين المهني في أماكن العمل عن طريق التمرس والتدرج المهني.
وقال السيد أمزازي إن جميع هذه الإجراءات سيتم تعزيزها من خلال إحداث هذه الهياكل داخل المنظومة البيئية الاقتصادية المحددة على المستوى الجهوي.
وهكذا، سيمكن هذا الجيل الجديد من المراكز من تشكيل نماذج حقيقية وناجعة لتطوير البنيات الموجودة حاليا، والتي سيتم تأهيلها وترشيدها في إطار شمولي يرتكز على إعادة النظر في التكوينات التي تقدمها.
وأضاف أنه، وتنفيذا للتوجيهات الملكية، فستكون هذه المدن قادرة على استقبال وتطوير جميع البرامج المخصصة للشباب العاملين في القطاع غير المهيكل، بهدف تعزيز مهاراتهم التقنية والعرضانية خاصة في اللغات، لتمكينهم من الإندماج في القطاع المهيكل في ظروف ملائمة.
وهكذا، “فإن التجويد الذي سيتم إدخاله في قطاع التكوين المهني، عن طريق مدن المهن والكفاءات، سيمنحه، لا محالة، جاذبية جديدة، ليصبح خيارا راسخا مبنيا، على مشروع مهني شخصي، سيتم إرساء آلياته في إطار منظومة مندمجة وناجعة للتوجيه المبكر”.
وفيما يتعلق بالحكامة – يقول الوزير- فسيكون لهذه المدن وضع شركات مجهولة الإسم، تابعة للمكتب الوطني للتكوين المهني وإنعاش الشغل، بصفته صاحب المشروع، وستتمتع هذه المدن بمجلس إداري ثلاثي الأقطاب، يضم المهنيين والجهة والدولة.
وسيتطلب هذا المشروع كلفة إجمالية بقيمة 3,6 مليار درهم، من مساهمة الدولة والمكتب الوطني للتكوين المهني وإنعاش الشغل والجهات.
وأضاف أن الجدولة الزمنية للشروع في إنجاز الدراسات التقنية والمعمارية لهذا المشروع، وكذا الدراسات المتعلقة بهندسة التكوين، ستكون ابتداء من هذا الشهر، كما سيتم البدء في أشغال البناء في شهر يناير 2020، في أفق الافتتاح التدريجي للبنيات الجديدة انطلاقا من الدخول المهني 2021.
وخلص الوزير إلى أن خارطة الطريق المقترحة، التي تمت بلورتها للنهوض بهذا القطاع، تعد نموذجا جديدا لمراكز التكوين المهني، والتي يمكن تحسينها باستمرار للاستجابة للتطور السريع والمستمر للمهن والتكنولوجيات بالإضافة إلى الخصوصيات الاجتماعية والاقتصادية لكل جهة من جهات المملكة.
ان تحقيق اندماج اقتصادي عبر بناء منظومة تنموية جهوية تختص بتكوين شباب الجهات تهدف الى تمكين الفرص وتوفير العمل للجميع .
وإدراك دور التنافسية في رفع جودة الخدمات والتنمية الاقتصادية، كلها خدمات حكومية لا بد من تحسينها وتجويد بيئة العمل فيها ، سيسهم لا محالة في استقطاب أفضل للكفاءات العالميّة والاستثمارات النوعيّة، لا سيما تموقع المملكة المغربية الاستراتيجي والفريد على الخارطة الجغرافية للعالم .
فاطمة سهلي