وجهة نظر : ذ.عدنان ملوك
على ما يبدوا المواطنين ليس لهم أي رغبة في التواصل مع المنتخبين ، و ان جل الحملات المفتعلة من كل الأحزاب لم تعد مقنعة كفاية ” لي فراس الجمل في راس الجمالة” ، و أن كل الهيئات السياسية التي تصطنع حملات انتخابية جماهيرية لم تعد تجدي نفعا ، نبيل غلاب نموذجا و السقوط المدوي الذي انفق” الفلوس بالخناشي” في حملته الانخابية لكن “كايكب” الماء في الرملة….. و غيرهم من المنتخبين الذين سخوا بأراضي و منازل في ممتلكاتهم لتمويل الحملة ، باءوا بالفشل المبين .
الان و في قراءتي لمضامين النتائج الانتخابية اجد نفسي امام تصور عميق بفكريتين ركيزتين و هما ، واحد ان النسبة المئوية للمشاركة في الانتخابات هزيلة جدا ، و ذلك راجع عدم الثقة في الهيئات السياسية ، و بالتالي هيمنة الاحزاب القوية ذات النفوذ و الصيت ، و احتواءها على المشهد برمته لتبقى المنافسة شبه ثنائية ، خصوصا بعدما بلغ كل الاحزاب من الكبر عثيا، و اصبح بريق الشيب و تقويسة الظهر بادية للعادي و البادي، حتى الاحزاب الشابة التي ولدت حديثا و حاملة لمشاريع قد تكون الحبل المنقذ لجل القضايا المغربية في التشريع داخل قبة البرلمان، باتت عاجزة ، و غير قوية كفاية لمناهضة و منافسة بطلين المسرحية السياسية، و اقناع المخرج أن لهم موهبة التنظير و التسيير، ليبقى المشهد السياسي على ما هو عليه، في انتظار الموت البطيء لكل المدارس السياسية العريقة ، و هذا ما يبدوا جليا في نتائج هذه الانتخابات، و أحد الاسباب الرئيسية لهذا الموت السريري هو عدم اختيار الكفاءات اللازمة للدفاع عن الفكر الحزبي و السياسي لكل مدرسة مدرسة، و اختيار واحد من عامة الشعب لا يسمن و لا يغني من جوع في ساحة النضال السياسي ، هذا العامي من الناس في ترشحه يضرب الاحزاب العريقة في جذورها، و اتخاذ اسلوب القمار و الفوز بالتمني للوصول لسدة الحكم ،بالامل لا بالمثابرة، أي نضال نريد و الاحزاب العريقة اصبحت تنخر من الداخل و اصبح الترحال السياسي سيد الموقف، و اصبح البيادق الحزبية تتسابق على ركوب صهوة المكاتب السياسية بدون حسيب و لا رقيب ، مانعين كل الكفائات التي تستطيع زرع بعض المساحيق لإظهار الأحزاب في أحلى صورة، في انتظار عمليات تجميلية و تشبيب القيادات و ضخ دماء جديدة عسى الله ان تكون منقدة بأفكارها و مقترحاتها قد تعود بالنفع داخل القبة المعلومة.
الاحتمال الثاني و الذي فارض نفسه الآن هو الوازع المعرفي و ارتفاع نسبة الأمية ، و ارتفاع كذلك نسبة العازفين على التصويت، و تشبث الطبقة المثقفة برأيها الأزلي ” إنها السخافة السياسية ” ، هذه الطبقة التي اصبحت تدري خيوطة اللعبة و تتبعها عبر الخلويات حول ما يروج في الساحة في كل صوب و حين لا يغفلون و لا يقفل لهم جفن مدمين حتى النخاع بالتتبع لا شيء غيره، حتى اصيبوا بعجز جنسي مزمن.
اما الطبقة الشبابية المؤهلة و الغير المؤهلة لدخول غمار التحدي و التغيير السياسي و المعول عليها من طرف الفئة الضعيفة من الشيوخ الذين عقدوا العزم على التغيير بفلذات الأكباد ، هؤلاء الشباب عصوا الأسلاف و فضلوا عدم القيام من سباتهم و تغيير واقعهم المعاش، انظمت هي الاخرى لتفرج السياسي و ليس العزوف عنه ، يحبون من اعماقهم سلسلة طوم و جيري ، “جري عليا نجري عليك” ضربني نضربك أمام البرلمان ، ينددون حينها بأبشع الصفات للمسؤولين، حتى تبح حناجرهم منددين على التغيير الفوري ، لكن بدورهم قلت لديهم هرومونات “تيستوستيرول” التي تعبر عن الفحولة للتغيير ، فأصبح الكل مخنثا سياسيا ، لا يسرونها ، بل يعلنونها جهارا أنهم غير قادرين على انجاب شعب مناضل يبدل عند الضرورة و يدافع عند الضرورة ، ليبقى المنقذ الوحيد للمنتخبين و الأحزاب و الحكومات “هوما العيالات الكادات” ، المنصاعات وراء الماديات، الاكلات الخيرات، الشاربات ناخبات الانتصارات، و اختيارهن للأحزاب المهيمنة الآن، ليس عقلانية ، بل شهوانيا و اغرائيا ، وصوليا، “برافو” عليكن امهاتنا و اخواتنا و عماتنا و زوجاتنا و جراتنا ، على اختياركن لمصير الأمة ، اختلط فيها الصالح و الطالح ، فشكرا مرة اخرى لأنكن فكرتن و ميزتن من سيسيروننا لمدة خمس سنوات عجاف، فقد رضعنا منكن لبنا صائغا، و لم نستطع بكل طبقاتنا الجمعوية ،على شأننا أو صغر أن نرفع جفوننا أمامكن،و نعصيكن أيتها البطلات ، في ما يمكن ان تختارهن ليحكموننا،بل و أهديتموننا قرابين ليأكلوا منا اللحم و العظام و يشربون من دمائنا جهارا، لآننا نستحق ان نكونوا أكباش فداء ، فلا نود شيئا من الدنيا الا و أنتن راضيات عنا ،فدعونا لنحتظر يا نساء قومنا أمام اعينكن ، فداء لاختياراتكن المصيرية، و ستجدوننا ان شاء الله صابرين في نعيم برلمان الاخرة ، سنحكم و نغير الواقع هناك مع الملائكة لا هنا مع الأبالسة.
فوداعا يا سياسة بلادي ، و داعا يا أحزاب هرمت ووداعا يا اخرى وليدة ، فالاختيار الان بنون النسوة ليس بواو الجماعة، فالحاكمين تخلوا عن صفات العفاريت و التماسيح، و تقلدوا صفات “extraterrestre” المنزهين عن الخطأ و عن الفشل السياسي الرابحين في دنياهم، لا …بل حتى في آخرتهم، لأنهم يدعون أن الدين امتلكوه بالسياسة أو بالأحرى امتلكوا السياسة بالدين فاحبوا سياسة التملك، و أن الجنة تحت أقدامهم، و لهم مفاتيح الغيب و أنهم منقذو هذا الوطن ، فلهم الجنة و لنا النار و ندرك جميعا أن لا مكان بين الجنة و النار إما سياسيا إسلاميا محنكا ” عندو لحناك” أو مواطنا فاسقا كافرا جحودا.