ليلة الجمعة 15 يوليوز 2016 كان العالم على موعد مفاجئ مع أولى حلقات المسلسل التركي ” فشل الانقلاب على أردوغان” من بطولة رجب طيب أردوغان الذي يحكم بلاد الترك بيد من حديد منذ اثني عشر سنة، وبمشاركة وزير الدفاع فكري إيشيك ورئيس أركان الجيش، خلوصي آكان، وعدد من الضباط والجنرالات والجنود البسطاء المغرر بهم.
ملخص الحلقة الأولى يمكن تقديمه كما عرضته القنوات التركية كالتالي: في البداية سماع دوي أعيرة نارية وانفجارات في أنقرة واسطنبول مع تحليق طائرات عسكرية على علو منخفض وهدير الدبابات والآليات العسكرية وهي تجوب الشوارع الرئيسية للانتشار أو للتموقع بالمناطق الحيوية كالمطار ومبنى البرلمان والجسور …الخ. لحظتها تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لجندي وهو يقول للمارة: “إنه انقلاب، اذهبوا لبيوتكم”. الشيء الذي أثار الفوضى بين الناس ودفع أصحاب المطاعم والمتاجر لإغلاق محلاتهم قبل أن يصدر بيان منسوب للجيش التركي عبر وسائل الإعلام التركية الرسمية يعلن سيطرة القوات المسلحة التركية على مقاليد السلطة وتعطيل الدستور وفرض الأحكام العرفية وإدارة شؤون البلاد من طرف “مجلس سلام” لضمان سلامة المواطنين وحماية النظام الديمقراطي وحقوق الإنسان الذين أضرت بهما حكومة أردوغان.
المشاهد الأولى من مسلسل الانقلاب بدت محبوكة بدقة فائقة إلى درجة أن بعض وسائل الإعلام ظنته حقيقة واقعة كما هو حال وسائل الإعلام المصرية السيسية التي سبقت العرس بيوم كامل وأعلنت أن الانقلاب قد حدث فعلا على أرض الواقع وأن السلطة السياسية في تركيا باتت بين أيدي الجيش التركي، وهو تقريبا نفس التخريج الذي ذهبت إليه بعض العواصم الغربية والإقليمية حينما اكتفت بالدعوة إلى حقن الدماء دون التنديد بالانقلاب على أردوغان.
ولكن ما هي إلا دقائق معدودات بعد إعلان الانقلاب حتى ظهر البطل المسلسل رجب طيب أردوغان من على شاشة أيفونه الأمريكي عبر شبكة سي.إن.إن التركية، ليغير مجريات الوضع الانقلابي بخطاب جد مقتضب من 12 ثانية دعا من خلاله أنصاره من حزب العدالة والتنمية، النزول إلى الشارع للتصدي للمحاولة الإنقلابية الفاشلة، قائلاً لهم بالحرف “إنني أحث الشعب التركي على النزول للميادين العامة والمطارات. ما من قوة أعتى من قوة الشعب وأنه سيرد بسرعة على هذا الهجوم”. وماهي إلا لحظات بعد أوامره حتى خرج آلاف الأتباع تلبية لدعوته، لتنهار المحاولة الانقلابية بعدما تخلي عشرات المتمردين عن دباباتهم وعن رشاشاتهم ودخائرهم، واستسلموا لقوات الأمن أو فروا من مبنى التلفزيون بعد اقتحام مواطنين أتراك له ولباقي المناطق الحيوية، ودون إطلاق ولو رصاصة تحدير واحدة.
ومن المشاهد المثيرة التي حظيت باهتمام المتفرجين والمعجبين ذاك المشهد الذي بثته وسائل الإعلام التركية فجر يوم السبت وتناقلته مختلف وسائل الإعلام الدولية، لاستسلام العشرات من الجنود الانقلابيين، حيث بدا البعض منهم أنصاف عراة وهم يسلمون أنفسهم، وظهر آخرون في المشهد نفسه وهم يقدمون أنفسهم للشرطة رافعين أيديهم إلى السماء، بينما فضل البعض الآخر الاستسلام على طريقة الشجعان إذ قدموا أنفسهم وهم يمشون في خيلاء كالأبطال. المشهد كان يهم وحدة من الجيش التركي مكونة من حوالي 60 جندياً انقلابياً سيطروا لست ساعات فقط على أحد أهم جسور البوسفور في اسطنبول، ثم استسلموا في نهاية المطاف دون إراقة ولو نقطة دم واحدة بعد أن تخلوا جميعا عن أسلحتهم الرشاشة وترجلوا من على دبابتهم المدججة بالأسلحة والذخائر حتى الأنياب. وفي خلفية المشهد ظهرت سيارة يتيمة للشرطة وراء حشد من الدبابات وناقلات الجند المدرعة.
ومباشرة بعد إعلان فشل الانقلاب أعطى أردوغان تعليماته باعتقال الجنود الانقلابيين وقادتهم وكل من له صلة من قريب أو بعيد بالانقلاب ويطالب أمريكا بتسليمه الرأس المدبرة عن بعد للانقلاب، فتح الله غولن، الخصم اللدود لأردوغان، وهذا هو موضوع الحلقة المقبلة من المسلسل التركي الجديد ” فشل الانقلاب على أردوغان” الذي عنونه بعض الخبراء العسكريين بالانقلاب الغبي واعتبره أردوغان نفسه بمثابة هدية من السماء لتطهير الجيش وتطويعه. لذلك من المتوقع أن يتركز موضوع الحلقة المقبلة حول أطوار محاكمة الانقلابيين وباقي الخصوم السياسيين حيث لن يتردد أردوغان بالزج بكل صقور الجيش ورجالات القضاء المناوئين له بالداخل والخارج، وراء القضبان في انتظار إعدامهم أو حرمانهم من الحرية لما تبقى من أعمارهم في أقل الأحوال. وإلى هنا سيتوقف التكهن بمضامين الحلقات الموالية من مسلسل “فشل الانقلاب على أردوغان”، وبمصير تركيا التي بات يحكمها رجل يحلم بإعادة تسمية تركيا باسمه الشخصي عبر الانقلاب على مباديء الحرية والديمقراطية والعلمانية التي تسند جمهورية تركيا الحديثة التي أسسها أبو الأتراك، مصطفى كمال أتاتورك.