عيد الاستقلال.. حديث في الذكرى

0

بقلم:    عزيز لعويسي

يخلد الشعب المغربي قاطبة، ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، ذكرى عيد الاستقلال، وهي ذكرى وطنية مجيدة، نستحضر من خلالها كأجيال حالية، حقبة تاريخية صعبة وشاقة من تاريخ الوطن، ميزها فقدان السيادة والخضوع للاستعمار الظالم، ونستحضر معها، ما قام به الآباء والأجداد من ملاحم بطولية، وما تحملوه من محن وشدائد ومشاق، دفاعا عن وحدة الأرض وسلامة التراب، وكفاحا من أجل نيل نعمة الحرية والاستقلال؛

 

الاحتفاء بعيد الاستقلال، لا يتوقف فقط، عند عتبة استحضار محطات الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال، وما تخللها من أحداث ومنعطفات بارزة، تشكلت معالمها الأولى، باندلاع المقاومة العسكرية التي قادها زعماء القبائل بعد إخضاع المغرب لنظام الحماية سنة 1912، مرورا بالانتقال إلى المقاومة السياسية، بنشأة الحركة الوطنية ( مطلع الثلاثينيات)، التي طالبت بالإصلاح في  ظل الاستعمار في مرحلة أولى ( تقديم  المطالب الإصلاحية)،  وبالاستقلال في مرحلة ثانية ( تقديم وثيقة 11 يناير 1944)، وانتهاء بنفي السلطان محمد بن يوسف واندلاع ثورة الملك والشعب ( 20 غشت 1953)، وما تلاها من أحداث حاسمة، توجت بعودة السلطان وبإعلان الاستقلال، بل وتتجـــــــاوز ذلك، إلى مستوى استخلاص ما تخلل هذه الأحداث والمنعطفات وغيرها، من دروس وعبر، ومن قيم الوطنية الصادقة، وما ارتبط بها من مسؤولية وتضحية وصبر ووفاء وإخلاص، ومن تشبث وثيق بالثوابت الوطنية والدينية الجامعة؛

 

الذكرى المجيدة، هـي مناسبة سنوية، لمساءلة أنفسنا كدولة وحكومات متعاقبة وأفرادا وجماعات، فيما يتعلق بمدى تحمل مسؤولياتنا والتزاماتنا تجاه هذا  الوطن العزيز بعد سبعة عقود من الاستقلال، وهذا السؤال المشروع، يجد مبـرره الموضوعي، فيما بات يسيطر علينا من أنانية ووصولية وانتهازية وجشع وطمع وحسابات سياسوية ضيقة، وما أصبحنا ننتجه من خطابات بئيسة، مكرسة لمشاعر اليأس والإحباط وانسداد الأفق وفقدان الثقة في الدولة والقانون والمؤسسات؛

 

واليوم، وفي ظل ما يواجه الوحدة الترابية للمملكة من تحديات، وما نتطلع إليه كمغاربة، من رهانات تنموية وإشعاعية، واعتبارا لما وصل إليه المجتمع من تواضع في القيم الوطنية، واستحضارا للملاحم البطولية الخالدة، التي رسم ملامحها الآباء والأجداد دودا عن حمى الوطن، بات من اللازم، الالتفاف حول الوطن، بنبذ الخلافات الهدامة وطرح خطاب العبث والتيئيـــس، وإحكام الخناق على الفساد بكل مفرداته ما ظهر منه وما بطـــن، والانخراط الفردي والجماعي، في خدمة مصالح الوطن وقضاياه المصيرية، والإسهام المسؤول في كسب رهانات المسيرة التنموية الشاملة، التي يقودها عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس، بصمت وحكمة وتبصر؛

 

الاحتفالات المخلدة للاستقلال المجيــد، يجب ألا تنسينا عددا من أجزاء التراب المغربي التي لازالت تحت الاحتلال، وفي مقدمتها سبتة ومليلية وعدد من الجزر المغربية، دون إغفال الصحراء الشرقية المغربية، التي اقتطعها الاستعمار الفرنسي الظالم من المغرب، خلال القرن 19م وفي حقبة الحماية، وألحقها بالجزائر الفرنسية، وهذا الواقــــع الترابي المأسوف عليه، يفرض الإبقــاء على شعلة التحرير متوهجة، وطريـق التحرير وإدراك الحدود الحقة، تبـدأ أولا، بتحرير الوطن من العابثين والبائسين والفاسدين والوصوليين والانتهازيين والأنانييــن والمنافقين، ممن يعرقلون عجلة البناء والنماء والإشعاع، وتعبئــة الطاقات والقدرات، ما يدفع في اتجاه تملك شروط القوة، التي بدونها يصعب الافتكاك ويتعذر التحرير؛

 

مغرب اليوم، بما وصل إليه من نهوض و تطور وإشعاع ، يحتاج إلى مسؤولين ورجالات دولة حقيقيين، يخدمون الوطن بصدق وإخلاص وأمانة ونزاهة واستقامة  ونكران ذات، إلى من ينتج خطاب الأمل ويقوي الإحساس الفردي والجماعي، بأن مغربا آخرا آخذ في التشكل والبـــــروز، تحركه ذات القيم الوطنية والدينية والأخلاقية، التي كانت كافية لقهر الاستعمار والتصدي لمؤامراته الظالمة، وتعبيد طريق الحرية والاستقلال، لا إلى مسؤولين ورجالات عديمي المسؤولية، يحطمون صورة الوطن بقلة حيائهم ووقاتحهم وجشعهم وعبثهم، وعليه، فمعركة اليوم، بقدر ما هي معركة وحدة ترابية ومعركة تنمية شاملة، بقدر ما هي معركة تصدي مستدام لكل من يعبث بجسد الوطن بدون خجل أو حياء؛

 

ونختم بالتذكير بالخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة بمناسبة الذكرى 34 للمسيرة الخضراء،  الذي وجه من خلاله جلالة الملك محمد السادس رسالة واضحة وحازمة إلى مزدوجي المواقف والمتملصين من واجبات المواطنة، بالقول “وبروح المسؤولية، نؤكد أنه لم يعد هناك مجال للغموض أو الخداع ، فإما أن يكون المواطن مغربيا، أو غير مغربي. وقد انتهى وقت ازدواجية المواقف، والتملص من الواجب، ودقت ساعة الوضوح وتحمل الأمانة، فإما أن يكون الشخص وطنيا أو خائنا، إذ لا توجد منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة. ولا مجال للتمتع بحقوق المواطنة، والتنكر لها، بالتآمر مع أعداء الوطن”؛

 

وهذه الرسالة الملكية، تنطبق علاوة على المتآمرين مع أعداء الوطــن، على كل من يخون الوطن، بفساده وعبثه وجشعه وتهوره وانعدام مسؤوليته، وكل من لا تتحرك فيــه مشاعر الوطنية، لما يتعرض الوطن إلى الإساءة أو الابتزاز أو المساومة أو  الاعتداء، وكل من يبتز الدولة باسم التطبيع، ويعلن الولاء العلني لأعداء الوطن …ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال، نتمنى أن يبقى الوطن حرا وآمنا ومستقرا ومطمئنا وبهيا، لأنه البيت المشترك الذي يأوينا بكل اختلافاتنا وتناقضاتنا وعنادنا، ومن واجبات المواطنة، أن نحمي هذا الوطن، ونساهم بشكل فردي وجماعي في ازدهاره وإشعاعه،  بالالتزام والانضباط وتملك السلوك القويم، والإخلاص لله والوطن والملك…

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.