“عاد معرض الكتاب… ولكن بأي حال عاد الكتاب؟”

0

فاس: محمد أمقران حمداوي

في كل سنة، تُنصب خيمة كبيرة، وتُعلّق الزينة، وتُطلق التصريحات المتفائلة: “مرحبا بمعرض الكتاب!” كأنما نحتفل بعرس ثقافي طال انتظاره. لكن خلف هذا البريق الكاذب، يقف سؤال لا يبرح مكانه: ماذا نربح حقا من هذا المعرض؟ أرقام تُنشر، مشاركات تُعد، وميزانيات تُهدر… لكن هل عاد الكتاب حقا إلى القارئ بما نتمنى؟

المعرض ليس مجرد مساحة لبيع الكتب، ولا يجب أن يكون حدثا مناسباتيا للتصوير والبلاغات الرسمية. في دول العالم المتقدمة، تُنظّم معارض الكتب لتكون عرسا للعقل، منصات للحوار، وفسحة يتلاقى فيها القارئ مع كاتب يحرك وجدانه. هناك، الكتاب ليس سلعة مؤقتة، بل نبضا ثقافيا مستمرا، يُغذّى بالبرامج التعليمية، والمدارس، والجامعات، والإعلام الجاد، والدعم الحقيقي للناشرين والمبدعين.

أما عندنا، فالكتاب يُحتفى به ليوم، ويُنسى في بقية الأيام. الجائزة الوطنية للكتاب؟ لا يتجاوز صداها حدود قاعة التتويج. ما القيمة إن لم تُرافقها ندوات، ترجمات، ولقاءات حقيقية مع الكتّاب؟ ما نفع جائزة لا يرى القارئ كتابها، ولا يصله إلا في صورة باهتة على موقع إلكتروني رسمي؟

أكبر أزمة ليست في إنتاج الكتاب، بل في وصوله إلى القارئ. التوزيع شبه مشلول، مكتبات المدارس مغلقة أو شبه منقرضة، مكتبات الجامعات بلا حياة، والوزارة تتفرج. حتى تلك “البرامج الثقافية” المصاحبة للمعرض، تغلب عليها العشوائية، وكأنها بُنيت في آخر لحظة لتُملأ جدول الأيام فقط.

وها هو المعرض يُختَتم، ويطوى مع خيامه حلم مجتمع قارئ. لا أثر حقيقي له في الميدان. الأطفال الذين جُلبوا بالحافلات لم يشتروا كتابا واحدا. الزوار حُسبوا رقما في سجل الإنجاز السنوي. أما الناشرون والكتاب الحقيقيون، فخرجوا بخفي حنين.

الكتاب لا يعيش في خيمة تُنصب لعشرة أيام. هو يحتاج إلى مشروع مستدام، وإرادة سياسية تعتبر الثقافة ركيزة، لا زينة. لكن ما دامت ميزانية معرض الكتاب لا تكفي حتى لتعويض فنانة في مهرجان صيفي، فلننتظر العيد القادم… علّه يعود ومعه الكتاب بحق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.