فاطمة سهلي طنجة
إن استحضارموضوع الحماية الجنائية الدولية للمقدسات الدينية في الوقت الراهن جاء بسبب تصاعد ظاهرة الاعتداء على المقدسات الدينية، والتي لا تعتبر قضية قانونية بقدر ما هي مسألة تعايش أفراد مختلفين ذوي ديانات وعقائد مختلفة معا تعايشا سليما
أما أهمية الموضوع فتكمن في أن للدين أهمية قصوى في حياة الإنسان، والحماية الجنائية الدولية للمقدسات الدينية لها علاقة بالحفاظ على كرامته وحديثه، لأن حمايتها على المستوى الدولي تجسيد للحرية الدينية التي هي أهم ركائزالحقوق التي تكون هوية الفرد والجماعة والتي أقرتها المواثيق الدولية وعلى هذا الأساس فإن الاعتداء على المقدسات والرموز الدينية، هو تعد على القيم الروحية والثقافية التي هي أمان وأمن للبشرية وتهديد للأمن والسلم الدوليين وفي هذا الموضوع نتناول حادثة الرسوم المسيئة لسيد الأولين والاخرين –صلى االله عليه وسلم
فأمام الاعتداءات المتكررة على هذه المقدسات، فإن ذلك استدعى ضرورة التفكير في توفير حماية جنائية دولية لها بوصفها ضرورة ملحة
لقد أضحت الحماية الجنائية الدولية للمقدسات الدينية حاجة اجتماعية وإنسانية مهمة وضرورية لاستقرار المجتمعات الإنسانية وقيامها، بل حتى ولبقائها، الأمر الذي دعا إلى تعزيز تلك الحماية على المستوى الدولي
إن موضوع الحماية الجنائية الدولية للمقدسات الدينية له أهمية كبيرة تتمثل في التأثير الإيجابي الذي تتركه هذه الأخيرة في المجتمعات المحيطة بها، وذلك لارتباطها الوثيق بمعتقدات تلك الشعوب. وعلى هذا الأساس أدرك المجتمع الدولي الأهمية البالغة للمقدسات الدينية على اعتبار أنها تراث مشترك للإنسانية جمعاء، فجرم الأفعال التي تشكل اعتداء على المقدسات والرموز الدينية سواء كانت هذه الأفعال تخريبا أو اتلافا او تدنيسا أو سرقة على مستوى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في هذا المجال. وعلى هذا الأساس لابد من تعزيز الآليات القانونية الدولية الخاصة بحماية المقدسات الدينية من حيث اعتبارها ذخيرة الحضارات وسجلها المحفوظ، وهذا لن يتحقق إلا بتشجيع حرية ممارسة الشعائر الدينية ، باعتبار أنها تندرج ضمن حقوق الإنسان التي تكفلها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية
و الخصوصيات والمقدسات الدينية عند كل الديانات من الأمور التي لا يقبل المساس بجوهرها أو التعدي على رموزها،إذ تعتبر من الثوابت العقدية التي لا جدال فيها، حيث تتجلى لنا في كافة ثقافات الديانات ما يسمى بـ”المقدسات الدينية”، والتي تعتبر تراثا مشتركا للإنسانية على الرغم من اختلاف العقائد والأيديولوجيات، حيث كان المجتمع الدولي مدركا تماما للبعد الذي تحتله هذه المقدسات في نفوس الأفراد والآثار الخطيرة التي يمكن أن تنجم عن المساس بها أو الاعتداء عليها سواءا في زمن السلم أو الحرب، وبالتالي تم إبرام العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تكفل تحقيق الحماية الجنائية الدولية للمقدسات الدينية
ولعل التاريخ المرتبط بالأماكن المقدسة، كفيل باماطة اللثام عن رمز نشأة هذه الأماكن وسبب قدسيتها كما يرى البعض، ويرى آخرون أن صفحات التاريخ كثيرا غيرت في قدسية الأماكن وجعلتها عرضة للامتهان والنسيان لكن النظرة الثاقبة لتاريخ نشأة المقدسات الدينية، سواءا المسيحية أواليهودية أوالإسلامية، يجب أن ينظر إليها باعتبار الزمن أو المرحلة التي جاءت فيها.
فالإسلام مثلا وهو خاتم الرسالات السماوية يوصي أتباعه بالإيمان بالرسل كلهم، وبالتالي بالشرائع التي أنزلت على أقوامهم في ذلك الوقت، ولكن هذا التزام مرتبط بالماضي أي الاعتراف بأن هذا الرسول كان نبي االله إلى قومه وان مبادئه…كانت كذا وكذا…
أما فيما يتعلق بالحاضر
والمستقبل فإن رسالة الإسلام جبت ما قبلها قال تعالى:” إن الدين عند االله الإسلام”
أما المسلمون فإن أماكنهم بقيت رموزا للوحدة الإسلامية، والقرآن بقي وسيبقى محفوضا من
كل تحريف حيث قال –جل وعلا” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 ، تضمن الإعلان مواد تؤكد على حفظ الحريات ، ومنها حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية
و احترام حقوق الإنسان وحرياته العامة، وأن تناسي تلك الحقوق وازدراؤها قد أفضى إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنوا إليه البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة، كما أن شعوب الأمم المتحدة قد أكدت على ضرورة توفير الحماية الدولية اللازمة للمقدسات الدينية للديانات المختلفة، وتنص
على مايلي: “لكل شخص حرية الدين ويشمل هذا الحق حرية الاعتقاد والإعلان عنه بالممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواءا كان ذلك سرا أم مع الجماعة وأنه لا يجوز فرض الدين على الاخرين بالقوة.
“الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين هي من الأمور التي تخضع لحكامها وأن التعدي على هذا الحق يعد من قبيل التمييز العنصري” حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة “إعلان القضاء على جميع أشكال عدم التسامح والتمييز القائمة على أساس الدين أو المعتقد” وتنفيذا لأحكام هذا الإعلان أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب الديني، وأكدت في ديباجته على ضرورة حماية الدول لأماكن العبادة
العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966 حيث تنص المادة 18 منه
في البند الأول والثالث على أن: “لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين او معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملآ أو على حدى
ولا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة والنظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.